هو كعب بن ماتع الحميري. توفي عام 34 للهجرة. أصوله من يهود حمير اليمنيين. اعتنق الإسلام زمن عمر بن الخطاب وتحول بفعل قربه من السلطة وثقافته النسبية (التوراتية) إلى شخصية مؤثرة آنذاك. وهي "ثقافة" بسيطة وشفوية. من هنا غلوها في إدخال هذا الكم الهائل من الأساطير التوراتية في الموقف من الأحداث السياسية والدرامية التي مر بها تاريخ الإسلام بعد موت النبي محمد (ص). وهي ظاهرة لقطها المؤرخ الذهبي ووضعه في كتابه (سير أعلام النبلاء)، عندما أشار إلى حالته الغريبة التي جعلت منه وهو "التابعي" أو الذي أسلم في خلافة عمر بن الخطاب، مصدراً لرواية الصحابة مثل أبو هريرة وغيره. أما في الواقع فإنه لا غرابة في الأمر. وذلك لأنهما يشتركان ويتكاملان. فقد أسلما في أوقات متقاربة نسبيا. أبو هريرة عام 7 للهجرة، وكعب زمن عمر (ويقال زمن خلافة أبو بكر). وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أصولهما اليمنية، بمعنى التقائهما بالفطرة والمكان والنفسية، و"ذكاء" كعب و"علمه" بوصفه حبراً من أحبار اليهود، وبساطة أبي هريرة بوصفه ناقلاً مباشراً لما يسمعه، فإن من السهل معرفة سر ونوعية التأثير المحتمل لكعب الحميري على أبي هريرة.
وليس مصادفة أن يكون أغلب الحديث النبوي الزائف الذي نقله أبو هريرة مشبعاً بالأساطير. فقد كان أبو هريرة ضمن هذا السياق مجرد حامل ونقّال. بمعنى انه لا يعبأ بما ينقل. لأن الشيء الوحيد الذي كان يمتلكه هو "ذاكرة". من هنا ثقوبها المليئة بإمكانية تمرير كل شيء، والإسرائيليات بشكل خاص. وقد لقط ابن كثير (في كتابه تفسير القرآن) الدس التوراتي من جانب كعب الحميري، عندما كتب يقول، بإن القصص المروية عن ملكة سبأ وسليمان هي من وضع أهل التوراة مثل كعب ووهب بن منبه، أي أولئك الذين نقلوا ما أسماه ابن كثير بأخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب، مما كان وما لم يكن، ومما حرّف وبدّل ونسخ.
وليس مصادفة أن يكذبه ابن عباس مرات عديدة في تفسيره للقرآن. بمعنى معارضته لفهم القرآن بمعايير ومفاهيم وصور التوراة. وهي عملية طبيعية بالنسبة لكعب الأحبار، تماماً بالقدر الذي لم تكن مثار حساسية دينية. لاسيما وأن القرآن يحتوي على "إسرائيليات" عديدة، بوصفها جزء من تراث المنطقة وتقاليدها الدينية والأسطورية. فالأساطير الإسرائيلية جميعاً من وحي تراث المنطقة وتاريخها، بمعنى أنها لا تخرج من وادي الرافدين ومصر وفلسطين وفارس. من هنا لم يكن "حشر الإسرائيليات" في الإسلام آنذاك من جانب عبد الله بن سلام ووهب بن منبه وكعب الأحبار فعلاً متعمداً بقدر ما انه كان يسري بفعل ثقافتهم الأولية الخاصة.
وفيما يخص كعب الحميري فقد كان تفسيره للقرآن والأحداث بمعايير الرؤية اليهودية يهدف إلى جعل الإسلام نهاية الفكرة الوحدانية والحق. وبالتالي فإن "الدس التوراتي" كان بهذا المعنى يهدف إلى البرهنة على أفضلية الإسلام. وهي فكرة يمكن رؤيتها في كل الخطاب الديني والأخلاقي لكعب الأحبار. ومن الصعب توقع مواقف أخرى لكعب الأحبار بهذا الصدد، خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار إسلامه المتأخر وهو في عمر تجاوز الثلاثين من العمر، إضافة إلى احترافه الديانة اليهودية بوصفه أحد أعلامها و"أحبارها" في اليمن. لهذا لا نعثر في آرائه ومواقفه على استشهاد بالقرآن والحديث مقارنة بما تمتلئ مواقفه وآراءه من التراث الشفوي لليهودية التوراتية.
وإذا كانت أغلب تصوراته تسير صوب التجسم وإمكانية رؤية الله، فلأنها الرؤية المميزة لليهودية. وهي مكونات تخدم على الدوام جمود الرؤية والمواقف وأسطوريتها، التي عادة ما تكون أداة بيد السلطة بسبب ما في هذه الرؤية من بساطة وتسطيح للوعي. وليس مصادفة أن يصبح كعب الأحبار قريباً ومقرباً من السلطة زمن عمر بن الخطاب وعثمان، رغم تباينهما الكبير. وان يحاول معاوية بن أبي سفيان تقريبه منه. وبهذا الصدد تنسب إلى كعب الأحبار فكرة يقول فيها بإن مولد النبي بمكة، وهجرته بطيبة، وملكه بالشام! وقد تكون تلك عبارة أطلقها معاوية ونسبها إلى كعب الأحبار. خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن كعباً لم يتقرب من معاوية رغم إغواء الأخير إياه. وفضّل أن يعيش في حمص ويموت فيها، قبل مقتل عثمان بسنة واحدة (عام 34 للهجرة).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق